بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة الرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين
معالي الأمين العام السيد أحمد أبو الغيط، الرئيس المشارك
أصحاب المعالي والسعادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
فأود، أن أعرب عن شكري وتقديري لمعالي الأمين العام لجامعة الدول العربية الأخ أحمد أبو الغيط لدعوته الكريمة لي للمشاركة في هذه المناسبة العزيزة على قلبي، والتي تُعْنَى بالقدس مسرى نبينا، وأرض مقدساتنا، ورمز وجودنا وكرامتنا، ومُحدِّد مستقبل الصراع والسلام والاستقرار في منطقتنا العربية.
الحضور الكرام:
“إن القدس الشريف يناديكم ويستغيث بكم لتنقذوه من محنته، وما أبتلى به” فماذا يخيفنا؟ هل نخشى الموت؟ وهل هناك موتة أفضل واكرم من أن يموت الانسان مجاهداً في سبيل الله. هذه الكلمات أطلقها أبي فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله – بعد الحريق الذي التهم أجزاء من مسجد الأقصى – شرفه الله.
إن ما تعانيه مدينةُ القدس وسكانُها من مصاعبَ هائلةٍ على المستويات القانونية والسياسية والاقتصادية كافة، وما يواجهه المقدسيون من تحدياتٍ هائلةٍ ومروعةٍ، جراءَ سياساتِ الاحتلال الإسرائيلي القمعية والهمجية والإجرامية، ليست مستغربةً من كيانٍ غاصبٍ قام على الاحتلال وسرقة الأرض والتهجير، وإقامة المستعمرات وهدم البيوت، وارتكاب المجازر وإهانة المقدسات، وسجن الأبرياء والمدافعين عن حقوقهم. وكلُّ هذا ليس جديدًا على هذا الكيان الذي لا يرى في كلمة “السلام” التي تُطرحُ عليه سوى فُرصٍ ليتمادى أكثر في غَيِّهِ وعناده وتهوره. وما موقفُ إسرائيلَ من مبادرة السلام العربية إلا تجسيدٌ لهذا الغَيِّ والعناد والتهور.
الحضور الكرام:
لا شك في أن إسرائيلَ تجدُ في ضعفنا العربي وتشتُّت مواقفنا واضطراب أوضاعنا ما يشجعها على استمراء ممارساتها القمعية والإجرامية لتخلق أمرًا واقعًا يُبْعِدُ كلَّ فرصةٍ للسلام العادل.
وهنا، اسمحوا لي أن أستحضرَ ملخصَ حوارٍ جرى بين المغفور له والدي الشهيد الملك فيصل بن عبدالعزيز، شهيد القدس، الذي تمنى أن يختتم حياته بالصلاة في مسجدها الأقصى، والرئيس الفرنسي شارل ديغول.
قال الرئيس ديغول: “يقول الناس، يا جلالة الملك، إنكم تريدون أن تقذفوا بإسرائيل في البحر! إسرائيل هذه أصبحت أمرًا واقعًا ولا يقبل أحدٌ هذا”.
فأجاب الملك فيصل: “يا فخامة الرئيس، أنا أستغرب كلامك هذا، إن هتلر احتل باريس، وأصبح احتلاله أمرًا واقعًا، وكل فرنسا استسلمت إلا أنت انسحبت مع الجيش الإنجليزي، وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلبت عليه، فلا أنت رضخت للأمر الواقع ولا شعبك رضخ.
الحضور الكرام:
إن دعمَ صمود شعبنا في القدس وفي فلسطين ينبغي أن يكون من أولويَّات عملنا العربي والإسلامي المشترك. ولعل قرارات القمة العربية في الظهران – قمة القدس كما أطلق عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، حفظه الله – وفي الجزائر في شهر نوفمبر الماضي، التي ينعقد هذا المؤتمر تنفيذًا لها، تكون منطلقًا لدعمٍ منهجيٍّ ومؤسَّسٍ لمناصرة أهلنا في القدس وفلسطين وتعزيز صمودهم البطولي.
الحضور الكرام:
من هذا المنبر أتقدم بالشكر والامتنان لأخي منيب المصري وباقي أعضاء مجلس أمناءِ صندوق تمكين القدس لاختياري رئيساً له، وبالرئاسة الفخرية لصندوق ووقفية القدس. وهذا الصندوق يعمل كهيئةٍ أهليةٍ مستقلةٍ غير ربحية. وقد تأسس بناءً على مبادرة أطلقتها مجموعةٌ من الرجال الحريصين على مستقبل مدينة القدس، ويهدف إلى تمكين وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في القدس، والعملِ على تحقيق التنمية في القطاعات المختلفة في المدينة المقدسة؛ بما يساهم في الحفاظ على الهوية الوطنية والصمود الفلسطيني في القدس. وقد كان في مقدمة الداعمين لصندوق ووقفية القدس وصندوق تمكين القدس: الراحلُ الكبيرُ المغفورُ له الشيخ صباح الأحمد الصباح، كما حظي بدعم سمو الأمير نواف الأحمد الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة، وكذلك الشيخة سعاد الصباح، جزاها الله خيرًا، والبنك الإسلامي للتنمية، وصندوق التضامن الإسلامي للتنمية، وغرفة تجارة وصناعة الكويت، وبيت الزكاة الكويتي ودولة قطر ممثلة في الشيخ عبدالعزيز آل ثاني، عضو مجلس الأمناء. وأنا أدعو من هذا المنبر إلى دعم الصندوق من قِبَلِ مؤسسات المجتمع المدني في القدس، وكذلك من الدول العربية كافة ورجال الأعمال العرب ليتمكن من تحقيق أهدافه في دعم صمود القدس وتنميتها.
الحضور الكرام:
إن قدسنا، كما هي فلسطيننا، باقيةٌ في وجداننا، لا يغير من ذلك ما عاشته وتعيشه تحت نير احتلالٍ غاصبٍ، ولا تغيره تحولاتُ السياسةِ ومتطلباتُ السعي إلى انعتاقها. إن استمرار دعم صمود القدس وأهلها من أَوْلَى الواجبات للوقوف في وجه كل محاولات طمس هويتها. وأرجو أن يكون صندوقُ تمكين القدس خطوةً ملموسةً في مسيرة تحقيق هذا الهدف.
وإذ أخاطبكم اليوم؛ فإني أؤكد لكم أن المملكة العربية السعودية، أرضَ الحرمينِ الشريفينِ باقيةٌ على العهد منذ قيامها في دعم قضيتنا الفلسطينية، وفي دعم صمود أهلنا فيها، وليس أدل على ذلك ممّا تقدمه من مساعداتٍ ماليةٍ لجميع أطياف الشعب الفلسطيني، وكذلك منظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأُنروا) التي تستحق الدعم من الجميع.
إن الكثير من اللغط الإعلامي الذي يُثار حول مواقف المملكة وتروجُ له وسائلُ الإعلام الإسرائيلية، ويتابعها في ذلك – ويا للأسف – بعضُ وسائل الإعلام العربية، لا يعبر عن حقيقة مواقف المملكة الثابتة تجاه هذه القضية النبيلة، ولا ينبغي الانخداعُ بها وترويجُها على أنها حقيقة. إن مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي انطلقت من المملكة، ما تزال هي المرجعية لمواقف المملكة الثابتة من فلسطين.
إن ما يحزننا، أيها الأخوات والإخوة، بقاءَ البيت الفلسطيني منقسمًا على ذاته. واستمرارُ هذا الانقسامِ سيبقى جرحًا غائرًا في وجداننا، ولن يساعد أبدًا في توحيد التوجَّهِ العربي والدولي نحو التسوية السلمية العادلة، وإلى أن نتجاوز ذلك فلنبقَ داعمين للصمود حتى يتحقق المراد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته